فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{ولوطًا} عطف على {صالحًا}، أي وأرسلنا لوطًا، أو على {الذين آمنوا}، أي وأنجينا لوطًا، أو باذكر مضمرة، وإذ بدل منه، أقوال.
و{أتأتون} استفهام إنكار وتوبيخ، وأبهم أولًا في قوله: {الفاحشة}، ثم عينها في قوله: {أئنكم لتأتون الرجال}، وقوله: {وأنتم تبصرون} أي تعلمون قبح هذا الفعل المنكر الذي أحدثتموه، وأنه من أعظم الخطايا، والعلم بقبح الشيء مع إتيانه أعظم في الذنب، أو آثار العصاة قبلكم، أو ينظر بعضكم إلى بعض لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك مجانة وعدم اكتراث بالمعصية الشنعاء، أقوال ثلاثة.
وانتصب {شهوة} على أنه مفعول من أجله، و{تجهلون} غلب فيه الخطاب، كما غلب في {بل أنتم قوم تفتنون}.
ومعنى: {تجهلون}، أي عاقبة ما أنتم عليه، أو تفعلون فعل السفهاء المجان، أو فعل من جهل أنها معصية عظيمة مع العلم أقوال.
ولما أنكر عليهم ونسب إلى الجهل، ولم تكن لهم حجة فيما يأتونه من الفاحشة، عدلوا إلى المغالبة والإيذاء، وتقدم معنى يتطهرون في الأعراف.
وقرأ الجمهور: {جواب} بالنصب؛ والحسن، وابن أبي إسحاق: بالرفع، والجمهور: {قدرناها}، بتشديد الدال؛ وأبو بكر بتخفيفها، وباقي الآية تقدم تفسير نظيره في الأعراف.
وساء: بمعنى بئس، والمخصوص بالذم محذوف، أي مطرهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلُوطًا} منصوبٌ بمضمرٍ معطوفٍ على أرسلنا في صدرِ قصَّة صالحٍ داخلٌ معه في حيِّز القسمِ أي وأرسلنا لوطًا. وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ظرفٌ للإرسالِ على أنَّ المرادَ به أمرٌ ممتدٌ وقعَ فيه الإرسالُ وما جرى بينَه وبينَ قومِه من الأقوالِ والأحوالِ. وقيل: انتصابُ لوطًا بإضمارِ اذكُر، وإذْ بدلٌ منه، وقيل: بالعطفِ على الذين آمنُوا أي وأنجينا لوطًا وهو بعيدٌ {أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي الفعلةَ المتناهيةَ في القبحِ والسَّماجةِ. وقولُه تعالى: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} جملةٌ حاليةٌ من فاعلِ تأتُون مفيدةٌ لتأكيدِ الإنكارِ وتشديدِ التَّوبيخِ، فإنَّ تعاطيَ القبيحِ من العِالمِ بقُبحه أقبحُ وأشنعُ. وتُبصرون من بصرِ القلبِ أي أتفعلونَها والحال أنَّكم تعلمون علمًا يقينيًا بكونِها كذلك وقيل: يبصرُها بعضُكم من بعضٍ لما كانُوا يُعلنون بَها.
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً}.
تثنيةٌ للإنكارِ وتكريرٌ للتوبيخِ وبيانٌ لما يأتونَهُ من الفاحشةِ بطريق التَّصريحِ، وتحليةُ الجملةِ بحرفي التأكيدِ للإيذانِ بأنَّ مضمونَها مما لا يُصدِّق وقوعَه أحدٌ لكمالِ بُعدِه من العقولِ. وإيرادُ المفعولِ بعُنوانِ الرُّجوليةِ لتربيةِ التقبيحِ وتحقيقِ المباينةِ بينها وبين الشهوةِ التي عُلل بها الإتيانُ {مّن دُونِ النساء} متجاوزينَ النساءَ اللاتي هُنَّ محالُّ الشهوةِ {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تفعلونَ فعلَ الجاهلينَ بقبحِه أو تجهلون العاقبةَ أو الجهلُ بمعنى السَّفاهة والمجُون أي بل أنتُم قومٌ سفهاءُ ماجنونَ. والتَّاءُ فيه مع كونِه صفةً لقومٍ لكونِهم في حيِّزِ الخطابِ.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يتنزهونَ عن أفعالِنا أو عن الأقذارِ ويعدّون فعلَنا قذرًا. وعن ابنِ عبَّاسٍ رضَي الله تعالَى عنُهمَا أنَّه استهزاءٌ وقد مرَّ في سورةِ الأعرافِ أنَّ هذا الجوابَ هو الذي صدرَ عنُهم في المرَّةِ الأخيرةِ من مراتِ مواعِظِ لوطٍ عليهِ السَّلامُ بالأمرِ والنَّهي لا أنَّه لم يصدْر عنهم كلامُ آخرُ غيرُه.
{فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها} أي قدرنَا أنَّها {مِنَ الغابرين} أي الباقينَ في العذابِ.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} غيرَ معهودٍ {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} قد مرَّ بيانُ كيفيةِ ما جَرى عليهم من العذابِ غيرَ مرَّةٍ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلُوطًا} منصوب بمضمر معطوف على {أرسلنا} [النمل: 45] في صدر قصة صالح عليه السلام داخل معه في حيز القسم أي وأرسلنا لوطًا {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ظرف للارسال على أن المراد به أمر ممتد وقع فيه الإرسال وما جرى بينه وبين قومه من الأحوال والأقوال.
وجوز أن يكون منصوبًا باضمار اذكر معطوفًا على ما تقدم عطف قصة على قصة و{إِذْ} بدل منه بدلاشتمال وليس بذاك.
وقيل: هو معطوف على {صالحًا} [النمل: 45].
وتعقب بأنه غير مستقيم لأن صالحًا بدل أو عطف بيان لأخاهم وقد قيد بقيد مقدم عليه وهو {إلى ثمود} [النمل: 45] فلو عطف عليه تقيد به ولا يصح لأن لوطًا عليه السيلام لم يرسل إلى ثمود وهو متعين إذا تقدم القيد بخلاف ما لو تأخر، وقيل إن تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد لكنه خلاف المألوف في الخطابيات وارتكاب مثله تعسف لا يليق، وجوز أن يكون عطفًا على {الذين آمنوا} [النمل: 53] وتعقب بأنه لا يناسب أساليب سرد القصص من عطف احدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى وذيلها كما لا يخفى {أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي أتفعلون الفعلة المتناهية في القبح والسماجة، والاستفهام انكاري.
وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تُبْصرُونَ} جملة حالية من فاعل جملة حالية من فاعل {تأتون} مفيدة لتأكيد الإنكار فإن تعاطى القبيح من العالم بقبحه أقبح وأشنع، و{وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} من بصر القلب أي افتعلونها والحال أنتم تعلمون علمًا يقينيًا كونها كذلك.
ويجوز أن يكون من بصر العين أي وأنتم ترون وتشاهدون كونها فاحشة على تنزيل ذلك لظهوره منزلة المحسوس، وقيل: مفعول {تُبْصِرُونَ} من المحسوسات حقيقة أي وأنتم تبصرون آثار العصاة قبلكم أو وأنتم ينظر بعضكم بعضًا لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك لعدم أكتراثكم به، ووجه إفادة الجملة على الاحتمالين تأكيد الإنكار أيضًا ظاهر، وقوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} تثنية للإنكار وبيان لما أتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام، وتحلية الجملة بحرفي التأكيد للإيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد لكمال شناعته، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية لتربيته التقبيح وبيان اختصاصه ببني آدم، وتعليل الإتيان بالشهوة تقبيح على تقبيح لما أنها ليست في محله، وفيه إشارة إلى أنهم مخطؤون في محلها فعلًا، وفي قوله تعالى: {مّن دُونِ النساء} أي متجاوزين النساء اللاتي هن محال الشهوة إشارة إلى أنهم مخطئون فيه تركًا، ويعلم مما ذكرنا أن {شَهْوَةً} مفعول له للإتيان، وجوز أن يكون حالًا.
{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أي تفعلون فعل الجاهلين بقبح ذلك أو يجهلون العاقبة أو الجهل بمعنى السفاهة والمجون أي بل أنتم قوم سفهاء ماجنون كذا في الكشاف، وأيا ما كان فلا ينافي قوله تعالى: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل: 54] ولم يرتض ذلك الطيبي وزعم أن كلمة الاضراب تأباه: ووجه الآية بأنه تعالى لما أنكر عليهم فعلهم على الإجمال وسماه فاحشة وقيده بالحال المقررة لجهة الاشكال تتميمًا للإنكار بقوله تعالى: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} أراد مزيد ذلك التوبيخ والإنكار فكشف عن حقيقة تلك الفاحشة وأشار سبحانه إلى ما أشار ثم اضرب عن الكل بقوله سبحانه: {بَلْ أَنتُمْ} الخ أي كيف يقال لمن يرتكب هذه الفحشاء وأنتم تعلمون فأولى حرف الاضراب ضمير {أَنتُمْ} وجعلهم قومًا جاهلين والتفت في {تَجْهَلُونَ} موبخًا معيرًا اه وفيه نظر.
والقول بالالتفات هنا مما قاله غيره أيضًا وهو التفات من الغيبة التي في {قَوْمٌ} إلى الخطاب في {تَجْهَلُونَ} وتعقبه الفاضل السالكوتي بأنه وهم إذ ليس المراد بقوم قوم لوط حتى يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدًا كما هو شرط الالتفات بل معنى كلي حمل على قوم لوط عليه السلام.
وقال بعض الأجلة: إن الخطاب فيه مع أنه صفة لقوم وهو اسم ظاهر من قبيل الغائب لمراعاة المعنى لأنه متحد مع {أَنتُمْ} لحمله عليه، وجعله غير واحد مما غلب فيه الخطاب، وأورد عليه أن في التغليب تجوزًا ولا تجوز هنا.
وأجيب بأن نحو: {تَجْهَلُونَ} موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة وهنا ليس كذلك فكيف لا يكون فيه تجوز، وقيل قولهم إن في التغليب تجوزًا خارج مخرج الغالب، وقال الفاضل السالكوتي إن قوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ} الخ من المجاز باعتبار ما كان فإن المخاطب في {تَجْهَلُونَ} باعتبار كون القوم مخاطبين في التعبير بأنتم فلا يرد أن اللفظ لم يتسعمل فيه في غير ما وضع له ولا الهيئة التركيبية ولم يسند الفعل إلى غير ما هو له فيكون هناك مجاز فافهم.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ} أي من اتبع دينه وإخراجه عليه السلام يعلم من باب أولى.
وقال بعض المحققين: المراد بآل لوط هو عليه السلام ومن تبع دينه كما يراد من بني آدم آدم وبنوه، وأيًا ما كان فلا تدخل امرأته عليه السلام فيهم، وقوله سبحانه: {إِلا} الخ استثناء مفرغ واقع في موقع اسم كان، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق {جَوَابَ} بالرفع فيكون ذاك واقعًا موقع الخبر، وقد مر تحقيق الكلام في مثل هذا التركيب، وفي قوله تعالى: {مّن قَرْيَتِكُمْ} بإضافة القرية إلى كم تهوين لأمر الإخراج، وقوله جل وعلا: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} تعليل للأمر على وجه يتضمن الاستهزاء أي إنهم أناس يزعمون التطهر والتنزه عن أفعالنا أو عن الأقذار ويعدون فعلنا قذرًا وهم متكلفون بإظها رما ليس فيهم، والظاهر أن هذا الجواب صدر عنهم في المرة الأخيرة من مراتب مواعظه عليه السلام بالأمر والنهي لا أنه لم يصدر عنه كلام آخر غيره.
{فأنجيناه وَأَهْلَهُ} أي بعد إهلاك القوم فالفاء فصيحة {إِلاَّ امرأته قدرناها} أي قدرنا كونها {مِنَ الغابرين} أي الباقين في العذاب، وقدر المضاف لأن التقدير يتعلق بالفعل لا بالذات، وجاء في آية أخرى ما يقتضي ذلك، وهو قوله تعالى: {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} [الحجر: 60].
وقرأ أبو بكر {قدرناها} بتخفيف الدال.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} غير معهود {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} أي فبئس مطر المنذرين مطرهم، وقد مر مثل هذا فارجع إلى ما ذكرناه عنده. اهـ.